ناصر أبوطاحون يكتب : الجنرال الذهبى

ناصر أبوطاحون

فى يوم 9 مارس 1969 كان الفريق عبدالمنعم رياض على موعد مع القدر ليكتب بدمه حياة أخرى للوطن على طريق الانتصار والتحرير، وليكون شاهداً بدمه على تضحيات شهداء مصر على مر العصور، وفى يناير وفبراير 2011 كان الميدان الذى يحمل اسمه وينتصب فيه تمثاله شاهداً على فيض من شهداء ثورة يناير يكتبون بدمائهم الذكية حياة جديدة للوطن. بعد أن استُشهد الجنرال الذهبى اختير يوم استشهاده لتحتفل به مصر سنوياً كيوم للشهيد الذى كان أكبر قيادة عسكرية يستشهد فى الصفوف الأمامية. وتتزامن احتفالات يوم الشهيد المصرى هذا العام مع ذكرى الأربعين لشهداء الثورة.
كان عبدالمنعم رياض يرى أنه ليس أقل من أي جندي يدافع عن الجبهة ولابد أن يكون بينهم في كل لحظة من لحظات البطولة. كان الفريق رياض ممثلاً لرأى ثابت للعسكرية المصرية ولكل الضباط على مختلف الرتب الرافض لأى تسوية سلمية دون الدخول فى حرب مع العدو الإسرائيلى والانتصار عليه. كان رياض مؤمناً بأن الأمم التى لا تحارب ستفنى وستعيش حياة الانهيار، ورأى رياض أن الحروب هى التى تعيد بناء الشخصية الوطنية للشعب بعد الهزيمة. عاش رياض مؤمناً بأهمية دخول الجيش المصرى لحرب مع إسرائيل والانتصار عليها، ولم يبخل بحياته ودمائه الذكية فى سبيل انتصار سعى إليه.
كتب الشاعر نزار قباني يرثى الجنرال الذهبى عبدالمنعم رياض قائلاً:
يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ
الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا..
أنتَ بها بدأتْ..
يا أيّها الغارقُ في دمائهِ
جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ
جميعهم قد هُزموا..
ووحدكَ انتصرت.
ولد الفريق محمد عبدالمنعم محمد رياض عبدالله في قرية سبرباي إحدى ضواحي مدينة طنطا محافظة الغربية في 22 أكتوبر 1919، ونزحت أسرته إلى الفيوم، وكان جده عبدالله طه على الرزيقي من أعيان الفيوم، وكان والده القائم مقام (رتبة عقيد حاليًا) محمد رياض عبدالله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية والتي تخرج على يديه الكثير من قادة المؤسسة العسكرية.
تعليمه
درس في كتاب القرية وتدرج في التعليم وبعد حصوله على الثانوية العامة من مدرسة الخديوي إسماعيل التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التي كان متعلقا بها، انتهى من دراسته في عام 1938م برتبة ملازم ثان.
حقق عبدالمنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس وذلك في آخر يونيو 1967، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967 وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و1968.
كان عبدالمنعم رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل، ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصرا عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادي في الحسبان وليس مجرد استراتيجية عسكرية. وكان يؤمن بأنه "إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه". كما كانت له وجهة نظر في القادة وأنهم يصنعون ولا يولدون فكان يقول "لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذي يولد قائدا هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلا، ولكن العسكريين يصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة. إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم، والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار".
وقد تنبأ الفريق عبدالمنعم رياض بحرب العراق وأمريكا حيث قال إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاد وستتطرق إلي بترول العراق خلال 30 عام تقريبا. ومن أقواله المأثورة أن تبين أوجه النقص لديك، تلك هي الأمانة، وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوفر لديك، تلك هي المهارة.
أشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969م موعداً لبدء تنفيذ الخطة، وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973.
في صبيحة اليوم التالي (الأحد 9 مارس 1969) قرر عبدالمنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق.
يشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق عبدالمنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق عبدالمنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفي عبدالمنعم رياض بعد 32 عاما قضاها عاملا في الجيش متأثرا بجراحه. وقد نعاه الرئيس جمال عبدالناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر، واعتبر يوم 9 مارس من كل عام هو يومه تخليدا لذكراه كما أطلق اسمه على أحد الميادين الشهيرة بوسط القاهرة وأحد شوارع المهندسين (وأكبر شارع ببلبيس سمى باسمه)، وكذلك وضع نصب تذكاري له بميدان الشهداء في محافظة بورسعيد والإسماعيلية.